كل ما ذكر الله في القُرْآن من توحيد سواء في موضوعه من أصله أو مكملاته، كل هذا يدلنا عَلَى أهمية التوحيد من ناحية، وعلى سعة مفهوم التوحيد من ناحية أخرى، فإذا دعونا إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ فأول ما ندعو إليه هو توحيد الله، وهو البدء بتصحيح عقائد النَّاس سواء كانوا مسلمين لديهم انحرافات؛ أو كانوا كفاراً يعبدون غير الله، فندعوهم إما إِلَى التوحيد نفسه أو إِلَى تحقيقه وتصحيحه عند الْمُسْلِمِينَ فهذا في أهميه التوحيد.
والجانب الآخر في سعة مفهوم التوحيد، فإن بعض النَّاس يأخذ أجزاء من التوحيد ويدعو إليها وينسى الأجزاء الأخرى، وهذا لا شك أنه قد أحسن وأنه يجزى عَلَى ذلك أجراً -بإذن الله تعالى- لكن ينبغي أن ندعو إِلَى التوحيد كله كما قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً))[البقرة:208]، ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ))[الأنفال:39] فينبغي لنا أن ندعو إِلَى جميع أنواع التوحيد.
وبعض النَّاس - هداهم الله - قد يكون عن إخلاص أو اجتهاد يدعون إِلَى أن يوحد الله في الألوهية، وأن يطاع وحده، وأن تتبع شريعته وحده ولكنهم لا يريدون الحديث عن توحيد الأسماء والصفات، فنقول لهم: مهلاً -جزاكم الله خيراً- هذا خطأ فكيف تدعون إِلَى جانب من جوانب التوحيد وتتركون الجانب الآخر.
وأكثر من ذلك أن يأتي فينتقد هذا الجانب من التوحيد وينتقد من يدعو إليه!! وهذا الإِنسَان في الحقيقة يخشى عليه لأن المسألة حرب أو إنكار لنوع من أنواع التوحيد هي في غاية الخطورة، ولولا ما نعرفه أنه قد يكون بعضهم قصده حسناً وهو جاهل به لكان حكمهم أصعب مما يظنون، لأن هذا محاربة لنوع من أنواع التوحيد.
وبعض النَّاس يدعو إِلَى توحيد الأسماء والصفات -مثلاً- أو إِلَى جانب من جوانب الألوهية، ويترك جوانب أخرى، فمثلاً يدعو إِلَى نبذ الشرك والتقرب والتنسك لغير الله عَزَّ وَجَلَّ كشرك الدعاء وما أشبه ذلك، ويهمل بالكلية مثلاً شرك الطاعة وشرك الاتباع.
فكما نفرد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالعبادة وبالطاعة وبالتقرب معاً، فكذلك ندعو إِلَى توحيده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالطاعة والاتباع، فلا يحاكم إِلَى غير شرعه، ولا تتبع غير شرعته، ولذلك جاءت الآيات بنفي الإيمان عمن تحاكم إِلَى غير شرع الله فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((اَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِه))[النساء:60] فدلت هذه الآية عَلَى أنه لا يتحاكم إلا لشرع الله وحده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولا يتحاكم إِلَى أي قانون بشري أو نظام وضعي أبداً فإن هذا من الشرك بالله، مثَلُه في ذلك مثل من يعبد غير الله عند قبر فيدعوه أو يتوسل بصاحبه، فالشرك في هذا كالشرك في هذا.
فيجب أن ندعو إِلَى التوحيد بشموله، وكماله الذي يجتث هذه الأمراض والأخطاء والجزئيات الكثيرة، التي لو ذهبنا نعالجها لتفانت الأعمار ولم تعالج، لكن إذا عولج الأصل وهو أن يدعى إِلَى الإيمان بالله عَزَّ وَجَلَّ، وأن يوضح الإيمان بالله، وتوحيد الله كاملاً، فسنجد أن المسلم الذي يعبد الله وحده تتكامل شخصيته بتكامل حقيقة التوحيد في قلبه.